يشهد إقليم كشمير تصاعدًا حادًا في التوتر بين الهند وباكستان، إثر هجوم دموي وقع في 22 أبريل/نيسان 2025 في وادي بيساران قرب باهالغام، أسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من السياح الهنود، إلى جانب مواطن نيبالي. وتبنت جماعة تُطلق على نفسها اسم "جبهة المقاومة" الهجوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مبررة ذلك بما وصفته بـ"الاستيطان الهندوسي المكثف" في المنطقة، حيث أشارت إلى تدفق أكثر من 85 ألف مستوطن هندوسي، واعتبرت ذلك "تغييرًا ديموغرافيًا مرفوضًا".
في المقابل، اتهم مسؤولون سابقون في الجيش والاستخبارات الهندية القوات المسلحة الباكستانية بالوقوف وراء الهجوم، داعين الحكومة إلى رد قوي وسريع.
الهجوم أعاد تسليط الضوء على جذور الأزمة التاريخية في كشمير، وأشعل موجة من الإجراءات التصعيدية بين الجارتين النوويتين، كان أبرزها إعلان نيودلهي إغلاق المعبر البري الوحيد مع باكستان، وتعليق معاهدة مياه نهر السند، إحدى أكثر الاتفاقيات ثباتًا بين البلدين منذ أكثر من ستة عقود.
فما هي خلفية الخلاف بين نيودلهي وإسلام آباد بشأن كشمير؟ ولماذا تُعد معاهدة نهر السند بهذه الأهمية؟ وهل يمهّد تعليقها الطريق نحو مواجهة مفتوحة بين الجارتين النوويتين؟
جذور الصراع التاريخي.. من التقسيم إلى النزاع
يعود أصل النزاع بين الهند وباكستان إلى تقسيم المستعمرين البريطانيين للمنطقة عام 1947، حيث أُعطي حكام الولايات الأميرية، مثل جامو وكشمير، حرية الانضمام إلى أي من الدولتين.
ورغم أن غالبية سكان كشمير من المسلمين (يبلغ عدد سكان الإقليم حالياُ، ما يقارب 13 مليون نسمة، يمثل المسلمون نحو 90% منهم، أي نحو 10 ملايين كشميري مسلم)، إلا أن الحاكم الهندوسي، المهراجا هاري سينغ، رفض الانضمام إلى الهند أو باكستان، لكن في غضون أشهر من التقسيم، غيّر الحاكم رأيه، وانضم للهند. لكن باكستان لم تتنازل عن مطالبها، ومنذ ذلك الحين، خاضت الهند وباكستان 3 حروب بسبب كشمير، ووقعت حوادث عنف متكررة، تخللتها عمليات مسلحة وتفجيرات.
فخلال عام، اندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قرارًا في 13/8/1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
وبدأ يسود المجتمع الدولي منذ ذلك الحين اقتناع بأن حل القضية الكشميرية يأتي عن طريق اقتسام الأرض بين الهند وباكستان، فاقترحت الأمم المتحدة أن تنضم الأجزاء التي بها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود واحدة (تقدر بحوالي 1000 كم) لباكستان، وأن تنضم الأجزاء الأخرى ذات الغالبية الهندوسية ولها حدود مشتركة مع الهند (300 كم) للسيادة الهندية، لكن هذا القرار ظل حبراً على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع حتى الآن.

وقد عاد التوتر بين الجانبين، وحاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين، لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة وتتابعت بصورة درامية لتأخذ شكل قتال مسلح بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني في سبتمبر/أيلول 1965 على طول الحدود بينهما في لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان، واستمر الصراع العسكري 17 يومًا لم يتحقق فيه نصر حاسم لأي من الدولتين، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.
عاد القتال بين الجارتين ليتجدد مع مطلع السبعينيات إثر اتهامات باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية (بنغلاديش) في محاولتها الانفصالية، وكان الميزان العسكري هذه المرة لصالح الهند، الأمر الذي مكنها من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض غيرت من التفكير الاستراتيجي العسكري الباكستاني وأدخل البلدين في دوامة من سباق التسلح كان الإعلان عن امتلاك كل منهما للسلاح النووي أهم محطاته. وأسفر قتال 1971 عن انفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنغلاديش.
في ذلك العام، دخل البلدان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية أطلق عليها اتفاقية شِملا عام 1972، وتنص على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في 17 ديسمبر/كانون الأول 1971 هو خط هدنة بين الدولتين. وبموجب الاتفاق، احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب 1971 في كارغيل تيثوال وبونش في كشمير الحرة، في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب في كشمير المحتلة.
منذ عام 1989، قُتل أكثر من 100 ألف كشميري، فضلًا عن اغتصاب أكثر من 10 آلاف امرأة، بينما قتل 7000 شخص في ظل حكم السلطات الهندية، بحسب الجهات المناوئة لنيودلهي.
وأدى سقوط الاتحاد السوفييتي إلى تغير خريطة تحالفات الهند وباكستان، كما أدى ظهور حركات التمرد الداخلي في الإقليم، وبروز منظمات مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن الهند والباكستان نفسها. مع أن أكثر هذه المنظمات والأحزاب مثل حركة "المجاهدين"، و"حركة تحرير كشمير"، و"تحالف الحرية لكل الأحزاب" مدعومة من باكستان، كما تقول الهند، فإن الصراع الهندي الباكستاني ازداد حدة مع بروز السباق النووي بينهما.
وتُعد الحرب الأخيرة عام 1999 من أبرز محطات النزاع، إلا أن الجارتين بلغا حافة الحرب عدة مرات، أبرزها عام 2019، عندما أدى هجوم انتحاري في كشمير إلى مقتل أكثر من 40 جنديًا هنديًا، في تصعيد كاد يشعل مواجهة شاملة.
رغم محاولات التهدئة التي قادتها الأمم المتحدة، ظل موقف الطرفين متصلبًا. الهند تتهم باكستان بدعم الجماعات الانفصالية المسلحة، بينما تطالب إسلام آباد بإجراء استفتاء أممي يمنح سكان كشمير حق تقرير المصير.
في عام 2019، ألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير، وهو ما فجر موجة من الغضب والاحتجاجات. رافق القرار فرض حكم مركزي مباشر، مع تشديد القبضة الأمنية، وقطع الاتصالات، واعتقال المئات من السياسيين والنشطاء، ما أثار إدانات من باكستان وتحذيرات دولية من تفاقم الأزمة.
ورغم تراجع وتيرة العنف خلال الفترة الأخيرة، وعودة الانتخابات المحلية في بعض المناطق، فإن الأوضاع لم تهدأ تمامًا. فالإجراءات الأمنية الصارمة، وانتشار القوات، واستمرار القيود، أبقت مشاعر الغضب حية، سواء في كشمير الخاضعة للهند أو تلك التي تديرها باكستان.
شبح الحرب يلوح مجدداً
مع تصاعد التوترات عقب الهجوم الأخير في كشمير، ازدادت المخاوف من انزلاق الهند وباكستان نحو صراع مفتوح بين قوتين نوويتين. وقد جاءت أولى مؤشرات التصعيد من الهند، حيث قطع رئيس الوزراء ناريندرا مودي زيارته الرسمية إلى المملكة العربية السعودية، عقب لقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وسارعت نيودلهي إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضد باكستان، شملت إغلاق معبر حدودي رئيسي، وتقييدًا إضافيًا على تأشيرات الدخول المحدودة أصلًا للمواطنين الباكستانيين، بالإضافة إلى طرد مستشارين عسكريين وبحريين وجويين من المفوضية العليا الباكستانية في العاصمة الهندية.
جاء الرد الباكستاني سريعًا، إذ أعلنت إسلام آباد تقليص عدد موظفي المفوضية العليا الهندية إلى 30 شخصًا فقط، ووصفت مستشاري الدفاع الهنود بأنهم "أشخاص غير مرغوب فيهم"، وطالبتهم بمغادرة البلاد بحلول نهاية أبريل/نيسان الجاري.
كما أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وعلّقت التجارة مع الهند، بما في ذلك عبور البضائع من وإلى دول ثالثة عبر أراضيها. وأكدت أن أي انتهاك هندي لحقوقها المائية سيُعتبر عملًا حربيًا.
وفي نفس السياق، عقدت لجنة الأمن القومي الباكستانية اجتماعًا طارئًا برئاسة رئيس الوزراء شهباز شريف، بمشاركة وزراء الدفاع والداخلية، وقادة الجيش وأجهزة الاستخبارات، لبحث تطورات الأزمة.
رغم كل هذه الإجراءات، يرى كثير من المراقبين أن أخطر خطوة تصعيدية تمثلت في تهديد الهند بتعليق معاهدة مياه نهر السند. فالمعاهدة، التي وُقعت عام 1960 بوساطة البنك الدولي، تُعد من أكثر الاتفاقيات استقرارًا بين البلدين، حتى خلال فترات الحرب.
مما دفع باكستان إلى اعتبار هذا التعليق "عملًا عدائيًا"، وأعلنت رئاسة الوزراء الباكستانية أن أي محاولة هندية لوقف أو تحويل تدفق مياه نهر السند "ستعتبر سببًا للحرب".
لماذا النهر مهم؟ وما هي معاهدة مياه نهر السند؟
ينبع نهر السند من إقليم التبت، ويمر عبر الصين وكشمير قبل أن يصل إلى باكستان. ويُعد موردًا مائيًا أساسيًا لباكستان وشمال الهند، حيث تعتمد عليه قطاعات الزراعة والطاقة ومياه الشرب. وتحدد معاهدة مياه نهر السند كيفية تقاسم هذه الموارد بين الطرفين.
ومعاهدة مياه نهر السند – التي توسط فيها البنك الدولي – لتقسيم الأنهار الستة في الحوض بين الهند وباكستان، دخلت حيز التنفيذ في 1 أبريل 1960، وتم توقيعها رسميًا في 19 سبتمبر من العام نفسه في كراتشي، من قبل الرئيس الباكستاني أيوب خان ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو.
- لباكستان حقوق في الأنهار الغربية: السند، جيلوم، وتشيناب، لاستخدامها في الري والشرب وتوليد الكهرباء دون تخزين أو تحويل كبير للمياه.
- وللهند سيطرة على الأنهار الشرقية: رافي، بياس، وسوتليج، مع حرية الاستخدام بشرط عدم تغيير تدفقها بشكل جوهري.
وتسمح المعاهدة للهند باستخدام محدود للأنهار الغربية، لأغراض مثل توليد الطاقة الكهرومائية، ضمن قيود محددة.
يشير خبراء، من بينهم حسن ف. خان من جامعة تافتس، إلى أن الهند تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتحويل كميات كبيرة من مياه نهر السند، ما يُضعف من جدوى تنفيذ تهديداتها على الأرض.
أنشأت المعاهدة لجنة دائمة لنهر السند، ونظامًا واضحًا لتسوية النزاعات. وعلى الرغم من الحروب والصراعات المتكررة بين الهند وباكستان، لا تزال المعاهدة قائمة، وتُعد من أكثر اتفاقيات تقاسم المياه استمرارية في العالم. كما أنها لا تتضمن أي بند يسمح لأي طرف بتعليقها أو الانسحاب منها بشكل أحادي.

لطالما شكّلت مشاريع الهند على نهر السند وروافده مصدرًا للتوتر بين البلدين. فقد تنازع البلدان حول هذه المشاريع لسنوات، وسط اتهامات متبادلة بشأن تأثيراتها.
حيث تعتمد باكستان بشكل كبير على مياه نهر السند لتلبية احتياجاتها من الري والشرب وتوليد الطاقة الكهرومائية. وتتهم باكستان الهند بتحويل المياه بشكل غير عادل من خلال بناء السدود والحواجز المائية عند المنبع، وهو ما تنفيه نيودلهي.
وقد طلبت إسلام آباد من خبير محايد، ثم من محكمة تحكيم، التدخل في مشروعين حديثين للطاقة الكهرومائية. واتهمت الهند باكستان بإطالة أمد إجراءات الشكاوى، وتقول إن بناء مشروعي كيشانجانجا وراتلي الكهرومائيين مسموح به بموجب المعاهدة. كما سعت إلى تعديل الاتفاق للتغلب على هذه التأخيرات.
ويرى المراقبون أنه في حال قررت الهند تعليق المعاهدة، سيزداد قلق إسلام آباد من أن تقلل السدود الهندية من تدفقات المياه، خاصة أن نهر السند يروي ما يصل إلى 80% من الأراضي الزراعية المروية في باكستان. وتخشى إسلام آباد أن تستخدم الهند هذا النفوذ لفرض قيود أو تحولات في تدفق المياه، خصوصًا خلال فترات الجفاف، مما قد يُلحق ضررًا بالمحاصيل، ويُضعف إنتاج الغذاء، ويُفاقم أزمة المياه في مناطق كثيرة.
هل تندلع حرب جديدة بين باكستان والهند؟
منذ أوائل أبريل/نيسان 2025، شهدت المنطقة انتهاكات متعددة لوقف إطلاق النار، ويأتي التصعيد الأخير ليحول المياه إلى بؤرة توتر جديدة في العلاقة الهشة بين البلدين.
وبحسب موقع The Bridge Chronicle، كشفت لقطات جديدة التُقطت يوم الثلاثاء 23 أبريل 2025 عن نشاط ملحوظ لسلاح الجو الباكستاني قرب خط السيطرة في جامو وكشمير. ويحذر محللون عسكريون وخبراء أمنيون من أن هذه التحركات تشير على الأرجح إلى استعداد باكستان لعملية عسكرية واسعة النطاق، مما يثير مخاوف من احتمال اندلاع صراع في هذه المنطقة المضطربة.
بينما، أشارت مجلة الإيكونومست البريطانية إلى أن الهجوم الذي وقع في منطقة باهالغام يُهدد بإشعال مواجهة عسكرية جديدة بين الهند وباكستان.
0 تعليق