كلف المغرب 1.3 مليار دولار!بالوثائق.. هذه حقيقة دعم استيراد المواشي وكيف تحايلت شركات للاستفادة من الكعكة - بلد نيوز

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مباشرةً بعد إعلان العاهل المغربي، إلغاء ذبح أضحية عيد الأضحى المقبل بسبب الجفاف، تفجّر ملف الدعم الحكومي لعملية استيراد الأبقار والأغنام في المغرب، الذي طبقته الحكومة المغربية سنة 2023 ما دعم القدرة الشرائية للمواطنين.

وقالت الحكومة إنها قدّمت دعمين لمستوردي الحيوانات الحية الموجهة للاستهلاك واللحوم: الأول هو دعم استيراد الأغنام ما ضبط السوق خلال عيد الأضحى، والثاني دعم استيراد الأبقار الحية واللحوم الحمراء لتوفير العرض وخفض الأسعار.

توصل "عربي بوست" إلى وثائق حكومية وأرقام رسمية تؤكد تقديم الحكومة المغربية دعماً للمستوردين يتجلى في الإعفاء من دفع رسوم الاستيراد، والإعفاء من قيمة الضريبة المضافة، دون أن يؤثر ذلك على الأسعار التي ارتفعت بالتوازي في الأسواق.

ومن خلال الوثائق نفسها، تأكد أن الدعم الحكومي الذي استفاد منه المستوردون فقط لم يشمل الأغنام والأبقار فقط، بل وصل إلى استيراد الجمال وأطنان اللحوم الحمراء، لكن دون أن ينعكس ذلك على استقرار الأسعار في الأسواق، بل على العكس ارتفعت أكثر.

من خلال هذا التقرير سنتطرق إلى قصة الدعم الحكومي لعملية استيراد الحيوانات الحية الموجهة للاستهلاك في المغرب: كيف ولماذا تفجّرت قضية المستفيدين من الدعم الحكومي؟ وكم كلف ذلك ميزانية المملكة؟

أرقام مكتب الصرف (مؤسسة رسمية مهمتها تنظيم وتدبير المعاملات المالية والتجارية الخارجية للمغرب) تؤكد ارتفاع نسبة استيراد الحيوانات الحية سنة 2024 بنسبة 95 في المائة (نشرة مكتب الصرف لسنة 2024)
أرقام مكتب الصرف (مؤسسة رسمية مهمتها تنظيم وتدبير المعاملات المالية والتجارية الخارجية للمغرب) تؤكد ارتفاع نسبة استيراد الحيوانات الحية سنة 2024 بنسبة 95 في المائة (نشرة مكتب الصرف لسنة 2024)
نشرة لمكتب الصرف لشهر يناير ـ فبراير 2025 تؤكد ارتفاع استيراد الحيوانات الحية بنسبة 796 في المائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، مما يؤكد أن عملية الاستيراد لازالت مستمرة رغم الإعلان عن إلغاء ذبح أضحية العيد (مكتب الصرف)
نشرة لمكتب الصرف لشهر يناير ـ فبراير 2025 تؤكد ارتفاع استيراد الحيوانات الحية بنسبة 796 في المائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، مما يؤكد أن عملية الاستيراد لازالت مستمرة رغم الإعلان عن إلغاء ذبح أضحية العيد (مكتب الصرف)

بداية القصة

بدأت قصة الدعم الحكومي في المغرب للحيوانات الحية الموجهة للاستهلاك عندما " target="_blank">فجّرها وزير التجهيز والنقل، نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي يشارك في التحالف الحكومي، خلال ليلة رمضانية، والذي كشف استفادة 18 شخصاً من أكثر من 13 مليار درهم (1.3 مليار دولار).

تصريحات الوزير، المشارك في التحالف الحكومي، أغضبت قيادات الحزب الأول في البلاد، التجمع الوطني للأحرار، الذي يترأسه رجل الأعمال الكبير عبد العزيز أخنوش، ويقود الحكومة منذ انتخابات 2022.

وبعد أيام قليلة من تصريحات الوزير بركة، خرج رئيس مجلس النواب والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، رشيد الطالبي العلمي، ليكذّب الأرقام التي قدّمها زميله في الحكومة، ويؤكد أن الدعم يتعلق بـ300 مليون درهم (30 مليون دولار) فقط، موجهة لأكثر من 100 مستورد.

وقال الطالبي العلمي إن الشركات التي استفادت من الدعم الحكومي لاستيراد الأغنام والأبقار واللحوم الحمراء خضعت لقانون طلبات العروض، وتم اختيارها بعد استيفاء الشروط، مبعداً شبهات استفادة أسماء مقربة من الحزب من كعكة 13 مليار.

لم تدم تصريحات الطالبي العلمي كثيراً، حتى تبخّرت، وهذه المرة بأرقام رسمية، أعلنها القيادي في حزب العدالة والتنمية المعارض، ووزير الاقتصاد السابق، إدريس الأزمي، والذي قال إن وثيقة حكومية تؤكد دعم استيراد المواشي بمبلغ 13 مليار درهم إلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وقال الوزير إن هذا الرقم مرشح للارتفاع، لأن الدعم سيستمر طيلة سنة 2025، كما أعلنت الحكومة. هذه المعطيات أكدها الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المعارض، والذي قال إن الوثيقة الرسمية تكذّب الأرقام التي تقدمها الحكومة.

وخلال مناقشة قانون المالية 2025 في أكتوبر/تشرين الأول 2024، طالبت الفرق البرلمانية من الحكومة تزويدها ببعض المعطيات والأرقام، والتي ردت عليها الحكومة بوثيقة عنوانها: "المعطيات والبيانات المطلوبة من طرف الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025".

"عربي بوست" تواصل مع إدريس الأزمي، وزير الاقتصاد السابق، والذي أكد أن مبلغ 13 مليار درهم هو رقم رسمي قدّمته وزارة الاقتصاد والمالية للبرلمان على هامش مناقشة قانون الموازنة 2025.

وثيقة حكومية رسمية تكشف بالأرقام تفاصيل عملية استيراد الأغنام والأبقار في الفترة ما بين 2023 و2024 (خاص عربي بوست)
وثيقة حكومية رسمية تكشف بالأرقام تفاصيل عملية استيراد الأغنام والأبقار في الفترة ما بين 2023 و2024 (خاص عربي بوست)

كيف بدأ الدعم؟

حسب الوثيقة الحكومية التي تحدث عنها وزير الاقتصاد السابق إدريس الأزمي، والمعنونة بـ"المعطيات والبيانات المطلوبة من طرف الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025″، فإن الحكومة قررت لأول مرة استيراد الأغنام والأبقار واللحوم الحمراء في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ومن خلال هذا الدعم، قررت الحكومة المغربية إلغاء رسوم الاستيراد وتحمل الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة إلى الأبقار والأغنام معاً، واستمر هذا الدعم، حسب الوثيقة الحكومية التي يتوفر "عربي بوست" على نسخة منها، إلى غاية أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وتفيد الوثيقة أن الحكومة استوردت ما قيمته نحو 3.6 مليار درهم من الأبقار، كلفتها 7.3 مليار درهم كرسوم استيراد، و744 مليون درهم كضريبة على القيمة المضافة، أي ما مجموعه نحو 8 مليارات درهم تحملتها خزينة الدولة في ثلاث سنوات.

أما بخصوص الأغنام، فقد تم استيراد ما مجموعه 1.9 مليار درهم، تحملت فيه الحكومة ما قيمته 3.8 مليار درهم كرسوم استيراد، بالإضافة إلى 1.1 مليار درهم تحمّلت الميزانية للضريبة على القيمة المضافة خلال 3 سنوات، أي ما مجموعه 5 مليارات درهم.

ومن خلال هذه الأرقام الرسمية، يمكننا الاستخلاص أن الدولة دعمت، في الفترة الممتدة بين 2022 إلى 2024، استيراد الأبقار الأليفة والأغنام الأليفة بمبلغ إجمالي مباشر يُقدَّر بأكثر من 13 مليار درهم.

بالإضافة إلى ذلك، قدّمت الحكومة دعماً قيمته 500 درهم على ما يقارب 875,000 رأس من الأغنام تم استيرادها بين سنتي 2023 و2024، بتكلفة إجمالية بلغت 437 مليون درهم (43.7 مليون دولار).

وثيقة حكومية رسمية تؤكد ضياع أكثر من 13 مليار درهم (1,3 مليون دولار) من خزينة الدولة قدمتها الحكومة كدعم للمستوردين على شكل إعفاء من رسوم الاستيراد وإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة (خاص عربي بوست)
وثيقة حكومية رسمية تؤكد ضياع أكثر من 13 مليار درهم (1,3 مليون دولار) من خزينة الدولة قدمتها الحكومة كدعم للمستوردين على شكل إعفاء من رسوم الاستيراد وإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة (خاص عربي بوست)

توضيحات الحكومة.. ماذا عن استيراد الأبقار؟

أصدرت الحكومة بلاغاً توضيحياً تقول فيه إنها خصصت دعماً بقيمة 437 مليون درهم لاستيراد الأغنام الموجهة لعيد الأضحى خلال سنتي 2023 و2024، في إطار إجراءات استثنائية لتحقيق وفرة في العرض واستقرار الأسعار.

وبالإضافة إلى تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة على استيراد الأغنام، تقول الحكومة إنها أضافت دعماً مالياً استثنائياً بقيمة 500 درهم لكل رأس من الأغنام المستوردة، وهو الإجراء الذي امتد لسنتي 2023 و2024.

وبلغت التكلفة الإجمالية لعملية دعم استيراد الأغنام، حسب بيان الحكومة، ما مجموعه 437 مليون درهم، منها 193 مليون درهم سنة 2023، و244 مليون درهم سنة 2024.

وأسفرت هذه العملية، حسب بيان للحكومة، عن استيراد ما يقارب 875,000 رأس من الأغنام، موزعة على 386,000 رأس في 2023 و489,000 رأس خلال 2024، استفاد منها مستوردون مستوفون للشروط.

وحسب المصدر نفسه، بلغ عدد المستوردين المنخرطين في هذه العملية 156 مستورداً، منهم 61 سنة 2023، و95 مستورداً سنة 2024. وأكدت الوزارة أن عملية استيراد الماشية ما زالت مفتوحة، مع استمرار العمل بتعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة.

وفي الوثيقة الرسمية التي قُدّمت للبرلمان، قالت الحكومة إنها خصصت مبلغ 5.3 ملايين درهم لاستيراد رؤوس الأغنام في الفترة ما بين فبراير 2023 وأكتوبر/تشرين الأول 2024، كخسارة من مداخيل رسوم الاستيراد وتحمل الدولة للضريبة على القيمة المضافة عند استيراد الأغنام.

وبالتالي، تكون الحكومة قد قدمت رقمين مختلفين عن استيراد الأغنام، الأول في الوثيقة التي قدمتها للجنة المالية لتفسير بعض الأرقام والمعطيات، والثاني في بلاغ رسمي صدر عشية الثاني من مارس/آذار 2025.

ولتفسير هذا التباين في الأرقام، يقول إدريس الأزمي، وزير الاقتصاد في الحكومة السابقة، إن البيان الحكومي تجاهل الدعم الذي قدمته الدولة على شكل إعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة على كل من الأغنام والأبقار والجمال، وركّز على الدعم المادي المتجلي في 500 درهم (50 دولاراً) على كل رأس غنم فقط.

أيضاً، في بيانها التوضيحي، فسّرت الحكومة تفاصيل عملية استيراد الأغنام الموجهة لدعم السوق في عيد الأضحى فقط، دون الدخول في تفاصيل عملية استيراد الأبقار واللحوم الحمراء والجمال الموجهة للاستهلاك اليومي.

رغم أن الوثيقة الرسمية التي قدّمتها الحكومة نفسها خلال مناقشة قانون المالية 2025 في أكتوبر/تشرين الأول 2024، تؤكد تخصيص 8 مليارات درهم ما بين أكتوبر 2022 وأكتوبر 2024 لاستيراد الأبقار.

وفي الوثيقة نفسها، أكدت أن المبلغ المخصص لاستيراد الأبقار يُعتبر خسارة من مداخيل رسوم الاستيراد وتحمل الدولة للضريبة على القيمة المضافة عند استيراد الأبقار.

هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، لأن الدعم الحكومي لاستيراد الأغنام والأبقار لا يزال مستمراً، حسب ما أعلنته الحكومة، وأكدته كذلك أرقام مكتب الصرف خلال نشرة فبراير/شباط 2025، والتي تؤكد ارتفاع نسبة استيراد الحيوانات الحية بـ796% مقارنة بنفس الشهر من السنة الماضية.

جزء من تقرير لجنة المالية والاقتصادية حول قانون الموازنة 2025 يؤكد أن الحكومة ستقدم دعماً على شكل إعفاء من رسوم الاستيراد طيلة سنة 2025 على كل من الأبقار والأغنام والماعز والجمال ولحومهم (خاص عربي بوست)
جزء من تقرير لجنة المالية والاقتصادية حول قانون الموازنة 2025 يؤكد أن الحكومة ستقدم دعماً على شكل إعفاء من رسوم الاستيراد طيلة سنة 2025 على كل من الأبقار والأغنام والماعز والجمال ولحومهم (خاص عربي بوست)

تعليقاً على هذه الأرقام، يقول وزير الاقتصاد السابق إدريس الأزمي إن الحكومة تحاول التهوين من الدعم الذي قدمته، والذي حرم خزينة الدولة من أكثر من 13 مليار درهم، وهو مبلغ كبير جداً، والأكثر من ذلك أن المستفيد الوحيد هو المستورد، وليس المواطن.

وقال الأزمي إن المستوردين كانوا سيستوردون المواشي في كل الأحوال، وسيدفعون الرسوم لخزينة الدولة، لأن السوق الوطنية في حاجة ماسة إلى المواشي بسبب تراجع القطيع، وهذا باعتراف وزارة الفلاحة، وما يؤكده إلغاء شعيرة ذبح الأكباش في عيد الأضحى المقبل.

وأضاف لـ"عربي بوست" أن المستورد حصل على دعم حكومي لجلب الأبقار والأغنام من خارج المغرب، فلم يدفع رسوم الاستيراد ولا الضريبة على القيمة المضافة، وكان يُنتظر أن يتراجع سعر أضاحي العيد وسعر اللحوم الحمراء.

وحسب المتحدث، فإن العكس هو ما حصل، فأسعار اللحوم الحمراء قفزت من 60 و65 درهماً (6 دولارات) إلى 120 درهماً (12 دولاراً)، أي الضعف، وأسعار أضاحي العيد تضاعفت في السنتين الأخيرتين، الأمر الذي يؤكد أن المستفيد الوحيد هم المستوردون وليس المواطن العادي.

وأشار المتحدث إلى أن مقارنة الحكومة للدعم المقدم للمواشي الموجهة للاستهلاك مع دعم القمح لا يستقيم، كون هذا الأخير تدعمه الحكومات المتعاقبة وليس لأول مرة، والحكومة نفسها تتحكم في أسعار القمح في الأسواق، وفي الأخير يكون المستفيد هو المواطن وليس المستورد.

تحايل المستوردين

وفي السياق ذاته، كشف وزير الاقتصاد في الحكومة المغربية السابقة، إدريس الأزمي، لـ"عربي بوست"، أن هناك عمليات تحايل قام بها المستوردون للاستفادة من الدعم الحكومي المقدم لهم.

وقال المتحدث إن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن هذا الدعم استفاد منه بالأساس 18 شخصاً ينتمون إلى الحزب الذي يقود الحكومة، وهو ما أثار حفيظة باقي مكونات أحزاب الأغلبية.

معطى آخر، أكثر خطورة، كشف عنه الأزمي، هو قيام بعض المستوردين بتربية الأغنام في إسبانيا، ثم الاستيراد من عند أنفسهم، وبالتالي الاستفادة مرتين، وذلك بعدما بلغهم أن الإسبان قرروا رفع الأسعار حينما علموا بدعم الدولة لاستيراد الأضاحي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق