بعد أسابيع مع التهديدات الأمريكية لإيران بـ"عقاب شديد وحرب مدمرة" بسبب استمرار الأخيرة في تطوير برنامجها النووي٬ انتهت الجولة الأولى من المحادثات الدبلوماسية بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين في سلطنة عمان بنتيجة وصفها الجانبان بأنها "إيجابية وبناءة".
وعُقدت المحادثات غير مباشرة يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، شارك فيها مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي٬ حيث عُقد الاجتماع في منزل وزير الخارجية العماني سعيد بدر البوسعيدي في العاصمة مسقط، على بُعد أقل من عشر دقائق من المطار، وفق ما صرح به مصدرٍ مُطّلع على الاجتماع٬ لشبكة CNN الأمريكية.
وكانت محادثات السبت بين طهران وواشنطن غير مباشرة، بوساطة عُمانية، كما أرادت إيران، وليس وجهاً لوجه كما طلب ترامب. حيث كان لكل وفد غرفة خاصة به، وتبادلا الرسائل عبر وزير الخارجية العُماني٬ بحسب وكالة مهر الإيرانية. فيما قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن وفده "أجرى لقاء قصيراً مع نظيره الأميركي برئاسة ويتكوف بعد خروجهما من جولة المحادثات الأولى".
ما الذي يجب أن نعرفه عن جولات المفاوضات الإيرانية الأمريكية في عُمان؟
- صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لوسائل الإعلام الرسمية بأن أن اجتماع السبت مع الأمريكيين "اقترب كثيراً" من التوصل إلى إطار عمل للمفاوضات. وأضاف أن الجانبين أكدا سعيهما للتوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن.
- قال المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون إن الجولة المقبلة من المناقشات، المقرر عقدها السبت المقبل في 19 أبريل/نيسان 2025، قد تؤدي إلى أول مفاوضات رسمية وجهاً لوجه بين البلدين في عهد الرئيس ترامب منذ انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق نووي تاريخي قبل سبع سنوات.
- وحول كواليس اللقاء٬ تقول شبكة "سي إن إن" الأمريكية إنه خلال المحادثات، كان ويتكوف وفريقه متمركزين في غرفة استقبال على يمين المدخل الرئيسي للمنزل، بينما كان عراقجي وفريقه متمركزين في غرفة على يساره، فيما تداول العمانيون الرسائل باللغة الإنجليزية بين الجانبين. وقال المصدر إنه بعد انتهاء المحادثات تحدث الوفدان لبضع دقائق فقط في الممر الرخامي أثناء الخروج وتحدثا قليلاً.
- وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية أن الاجتماعات بين الأمريكيين والإيرانية "عقدت في أجواء بناءة قائمة على الاحترام المتبادل". وبعد أكثر من ساعتين ونصف من المفاوضات غير المباشرة، تحدث رئيسا الوفدين الإيراني والأمريكي لبضع دقائق بحضور وزير الخارجية العماني، حسبما ذكرت الوكالة.

- البيت الأبيض في بيان رسمي٬ وصف المحادثات بأنها "إيجابية وبناءة" و"خطوة إلى الأمام نحو تحقيق نتيجة مفيدة للطرفين". وقال أن ويتكوف "أكد للدكتور عراقجي أنه تلقى تعليمات من الرئيس ترامب لحل الخلافات بين بلدينا من خلال الحوار والدبلوماسية، إذا كان ذلك ممكناً".
- وفي وقت لاحق من يوم السبت، قال ترامب للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية إن "المناقشات تسير على ما يرام". قال وهو في طريقه إلى نزال في بطولة UFC في ميامي: "لا شيء يُهم حتى يتم إنجازه. لذا، لا يجب الحديث عنه.. لكن الأمور تسير على ما يُرام٬ أعتقد أن الوضع في إيران يسير على ما يُرام".
- قبل ذلك٬ قال ترامب على متن الطائرة الرئاسية في طريقه إلى فلوريدا مساء الجمعة: "أريد ألا يمتلكوا سلاحًا نوويًا.. أريد أن تكون إيران دولة رائعة وعظيمة وسعيدة، لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي".
- وقال عراقجي لدى وصوله إلى مسقط إن إيران تسعى إلى "تفاهم مبدئي" مع الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى عملية تفاوض. وقال البوسعيدي في تصريح لقناة إكس إن إيران والولايات المتحدة ستبدآن عملية تهدف إلى التوصل إلى اتفاق "عادل وملزم" عقب الاجتماع.
كيف يمكن قراءة هذه الجولة "الإيجابية" من المحادثات؟
- كانت المحادثات الهامة التي جرت يوم السبت للتوصل إلى اتفاق نووي جديد قد استبقها تهديد ترامب بشن ضربات عسكرية في حالة الفشل وتحذير طهران من أن أي هجوم عليها من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط. وقد أعطى ترامب طهران مهلة شهرين لقبول اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى "تقليص إيران لبصمتها النووية أو القضاء على برنامجها بالكامل".
- وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية٬ إنه لطالما كان ترامب عدوانيًا تجاه إيران، وقال إنه لا ينبغي السماح لها بامتلاك قنبلة نووية. لذا تعكس هذه المحادثات نهجه القائم على التهديد والتودد في التعامل مع النزاعات الخارجية، وهو نهجٌ يكون فيه احتمال التوصل إلى اتفاق مطروحاً دائماً تقريباً، بينما يُصبح الصراع العسكري طويل الأمد غير مُغري.
- بالنسبة لإيران، سارت الجولة الأولى من المحادثات مع الولايات المتحدة على ما يُرام. وتزعم إيران أن شرطين رئيسيين من شروطها للانتقال بالمفاوضات إلى مرحلة جديدة قد تحققا: ركزت واشنطن على البرنامج النووي الإيراني – على الأقل في الوقت الحالي – ولم تُشر إلى تفكيك منشآتها النووية أو تغيير سياستها الإقليمية مع الجماعات المسلحة الحليفة لها مثل حماس وحزب الله والحوثيين وغيرها.

- لذلك، لم يُشر المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، الذي يقود المناقشات، إلى تخلي إيران عن برنامجها للتخصيب كليًا، وفقًا ما صرح به مسؤول أمريكي إلى صحيفة "نيويورك تايمز". بل انصبّ التركيز على عدم استخدام إيران لموادها الحالية في الأسلحة. وكانت المحادثات، وفقا لمسؤول أميركي كبير مطلع على الأمر، "واسعة النطاق وتهدف إلى الحفاظ على الحوار بين الطرفين".
- لكن تقول الصحيفة الأمريكية إن ويتكوف ليس لديه خبرة تُذكر في السياسة الخارجية. لكن بصفته صديقاً قديماً للسيد ترامب، فهو يحظى بثقة الرئيس، ويتمتع بالقدرة على الظهور بمظهر المتحدث باسمه، وهو ما لا يحظى به غيره من المسؤولين الأمريكيين. وقد انضمت إليه في نهاية هذا الأسبوع، آنا إسكروغيما، السفيرة الأمريكية لدى عُمان، في المحادثات التمهيدية مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وفقاً لمسؤول آخر في البيت الأبيض. ولم يشارك وزير الخارجية ماركو روبيو في محادثات يوم السبت.
- من جهته٬ قال السيد عراقجي للتلفزيون الإيراني الرسمي: "لم تُستعمل أي كلمات جارحة من الطرفين. وأبدى الجانبان التزامهما بمواصلة هذه المحادثات حتى نتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين". وقبل الاجتماع، صرّح عراقجي بحسب ما نقلت رويترز بأن الهدف هو بناء الثقة والتوصل إلى اتفاق بشأن إطار العمل والجدول الزمني للمفاوضات بشأن البرنامج النووي. وأشارت إيران إلى أنه إذا طرحت الولايات المتحدة مسألة التفكيك الكامل لبرنامجها النووي على الطاولة، فإنها ستنسحب من المحادثات.
هل تتجنب إيران التصعيد مع ترامب وحلفائه الإسرائيليين؟
- دخل الجانبان إلى المفاوضات في ظل انعدام ثقة عميق، نظراً لأن ترامب انسحب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في عام 2015 مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى، ثم فرض عقوبات قاسية على طهران خلال فترة ولايته الأولى بتحريض وتشجيع من قبل صديقه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء "إسرائيل".
- وتخشى "إسرائيل" من أن تعمل إيران على توسيع برنامجها النووي، وتسعى إلى تدميره. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع: "الاتفاق مع إيران مقبول فقط إذا دُمِّرت المواقع النووية تحت إشراف الولايات المتحدة. وإلا، فالخيار العسكري هو الخيار الوحيد"٬ على حد تعبيره.
- وتقول "نيويورك تايمز"٬ الآن يريد ترامب التوصل إلى اتفاق – لإظهار مهاراته التفاوضية ومنع التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل من التصعيد إلى صراع أكثر حدة من شأنه أن يزيد من اضطراب الشرق الأوسط.
- بدأت المحادثات بعد علاقة متوترة بين ترامب وإيران خلال الحملة الرئاسية لعام 2024. وفي العام الماضي، استهدف قراصنة مدعومون من إيران مساعدين لترامب والرئيس السابق جو بايدن٬ وفقاً لمسؤولين، ونجحوا في ذلك مع بعض مسؤولي ترامب. وبعد يوم الانتخابات بفترة وجيزة، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن اتهامات لرجل قالت إنه "متورط في مؤامرة إيرانية لاغتيال ترامب"٬ فيما نفت إيران وجود أي محاولة من هذا القبيل بشكل قاطع.
- في الأسابيع الأخيرة، أرسل ترامب رسالة إلى آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، مُعربًا عن "تفضيله إيجاد سبيل للتوصل إلى اتفاق بدلًا من تصعيد حملة عسكرية". وأضاف أنه في "حال عدم التوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة، فقد تواجه إيران حملة عسكرية قاسية ضد منشآتها". وتلقى ترامب رداً يفيد بأن "لحظة الحوار قد حانت".
- وفي حين أن جدول الأعمال الدقيق للجولة القادمة من المحادثات لا يزال غير واضح، فقد تعهد ترامب بالتوصل إلى اتفاق "أقوى" من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي توسطت فيه إدارة أوباما، والذي كان يهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني. انسحب ترامب من الاتفاق عام 2018 واصفًا إياه بأنه "اتفاق كارثي وفّر المال لنظام يرعى الإرهاب".
- وكان الوفد الإيراني قد خطط للتعبير عن انفتاحه على مناقشة خفض تخصيب اليورانيوم والسماح بمراقبة خارجية لنشاطه النووي، وفقًا لمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة مسألة حساسة للصحيفة الأمريكية. لكنهما قالا إن المفاوضين لم يكونوا مهتمين بمناقشة تفكيك البرنامج النووي، وهو أمرٌ أصر عليه بعض مسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم مايكل والتز، مستشار الأمن القومي، وقد يدفعون ترامب إلى دراسته.

- مع ذلك، اقترح ويتكوف علناً ما يُسمى بسياسة "الخط الأحمر" مع إيران، مُصرّحاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" قبل يومين بأن "هذا الخط الأحمر سيكون تطوير سلاح نووي٬" وأشار إلى أن هذا الخط لن يكون برنامج التخصيب نفسه.
- وكان الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة والذي تم التوصل إليه في عهد الرئيس باراك أوباما نتيجة سنوات من المفاوضات الشاقة والفنية التي أدت إلى رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
- ومن المعروف أن 9 دول فقط تمتلك أسلحة نووية، وإضافة إيران إلى القائمة قد تُشكل تهديدًا وجوديًا لعدوها الرئيسي، "إسرائيل"، ودول أخرى. كما أعرب خبراء أمريكيون عن مخاوفهم من أن "تُشارك إيران قدراتها النووية مع جماعات إرهابية"٬ على حد وصفهم.
- ولطالما أكدت إيران أن أنشطتها النووية قانونية ومخصصة للأغراض المدنية فقط، كالطاقة والطب. لكنها – بحسب مسؤولين أمريكيين- تمتلك يورانيوم عالي التخصيب، يتجاوز المستويات اللازمة للاستخدام المدني، ويمكن استخدامه لصنع رأس حربي نووي.
- في السياق٬ من المرجح أن تمدد إيران المحادثات الدبلوماسية لأطول فترة ممكنة – سواء لتأخير العمل العسكري الإسرائيلي أو لتجاوز الموعد النهائي في 18 أكتوبر/تشرين الأول عندما تنتهي صلاحية سلطة الأمم المتحدة في فرض عقوبات سريعة على إيران٬ بحسب "نيويورك تايمر".
- من جهته٬ قال إليوت أبرامز، مبعوث ترامب إلى إيران خلال ولايته الأولى للصحيفة : "الإيرانيون لديهم فرصة لإثارة الخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة بالدخول في مفاوضات يخدعون فيها ويكتوف ويوهمونه بأنها ستُثمر الكثير". وأضاف: "وهكذا تبدأ المفاوضات، مما يُثني إسرائيل عن المضي قدمًا، وتستمر، وتستمر". لكن قال إنه من الممكن التوصل إلى اتفاق جديد بسرعة كبيرة. لكن من المرجح ألا تلتزم إيران بأكثر مما وافقت عليه في اتفاق عام 2015. ومن شأن هذه النتيجة أن تُثير غضب إسرائيل.
- ونشرت إدارة ترامب تعزيزات عسكرية غير عادية في المنطقة، بما في ذلك حاملتا طائرات، وقاذفات شبح إضافية من طراز B-2 وطائرات مقاتلة، بالإضافة إلى الدفاعات الجوية.
- ومع ذلك، فإن ترامب يريد بشدة تجنب حرب جديدة في المنطقة، والتي حذر مستشاروه من أنها قد تؤدي إلى استنزاف الموارد العسكرية بعيداً عن التهديدات المحتملة الأخرى ، مثل الصين، وتنتقص من جهوده لتجنب التورط في صراعات خارجية٬ بحسب الصحيفة الأمريكية
- وقال علي فايز مدير شؤون إيران في مجموعة الأزمات الدولية إن الاجتماع الذي عقد يوم السبت كان حول الشكل والنطاق فقط، وأن الجانبين سوف يخوضان قريبا في المفاوضات الفنية – وهذا هو الجزء الصعب من المحادثات. وأضاف فايز: "هذا يُظهر أن إيران والولايات المتحدة على الأرجح على وفاق بشأن النتيجة النهائية لهذه المفاوضات". وأضاف: "لو كان التفكيك النووي هو الحل الأمثل للفريق الأمريكي، لانهار سقف هذه المفاوضات مبكراً".
0 تعليق