معادلة السلام - بلد نيوز

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
معادلة السلام - بلد نيوز, اليوم السبت 12 أبريل 2025 11:17 مساءً

يشكّل السلام حجر الأساس لأي مجتمع مزدهر، إذ لا يمكن للتنمية أن تزدهر في بيئة يسودها الخوف والاضطراب. وتعزيز الحوكمة الرشيدة يُعدّ من أهم شروط تحقيق السلام المستدام، لما يوفّره من مؤسسات قوية، وعدالة اجتماعية، ومشاركة سياسية تضمن صوت المواطن وكرامته.
يقدّم البروفيسور دومينيك رونر في كتابه الحديث «معادلة السلام: الصوت، والعمل، والضمانات، لا العنف» رؤية تحليلية جديدة ومتكاملة حول أسباب النزاعات وكيفية الخروج منها. يجمع الكتاب بين عمق البحث الأكاديمي وبُعد النظر السياسي، ليقدّم «صيغة» قابلة للنقاش والتطبيق، تُعلي من شأن المشاركة، وتُعيد الاعتبار للعمل والكرامة، وتُشدّد على أهمية تقديم ضمانات حقيقية كبديل عن منطق العنف والقوة.
يعرض رونر أطروحته المركزية ببساطة: السلام لا يُبنى بالترهيب، بل بالصوت، أي المشاركة السياسية الحقيقية، والعمل، أي توفير سبل الكسب الكريم والاندماج الاقتصادي، والضمانات، أي توفير الثقة والالتزامات المتبادلة بين الأطراف المتنازعة. هذه العناصر الثلاثة تُشكّل، في رأيه، المفاتيح الأساسية لبناء سلام مستدام في المجتمعات الخارجة من الحرب، أو المهددة بالانزلاق إلى العنف.


تعزيز الحوكمة وبناء السلام


يستند رونر في عمله إلى خبرة عملية طويلة، بوصفه مشاركاً بارزاً في العديد من فرق الخبراء الدولية التي تُعنى ببناء السلام وتعزيز الحوكمة ومواجهة التحديات البيئية. يقول: «نحن نعيش في زمن محفوف بالمخاطر. ففي يوم عادي، وبمجرد تشغيل التلفاز ومتابعة الأخبار، يمكن سماع تقارير عن عشرات النزاعات الأهلية حول العالم. ومن أبرز هذه النزاعات التي تحظى بتغطية إعلامية: الحروب الأهلية في سوريا، اليمن، وليبيا، إضافة إلى القتال في أفغانستان، العراق، جنوب السودان، الكونغو الديمقراطية، والصومال. ويؤكّد الإحصاء البارد هذه الانطباعات الذاتية المتزايدة حول تصاعد العنف السياسي؛ ففي عام 2022 وحده، تم تسجيل 56 حالة حرب ونزاع مسلح متميزة، وهو أعلى رقم منذ عام 1946».
ويضيف: «تتصدر الأخبار أيضاً مجازر المخدرات والجريمة المنظمة، كما هو الحال في المكسيك وكولومبيا وهندوراس، إلى جانب تصاعد التوترات الدولية المتعددة. تتجلّى هذه النزاعات بشكل بارز بين القوة العظمى الحالية، الولايات المتحدة، وغريمتها الصاعدة، الصين، إضافة إلى الصراع بين روسيا وأوكرانيا، والتوترات المستمرة بين روسيا والدول المجاورة مثل جورجيا. حتى الديمقراطيات الغربية لم تُعفَ من هذه الاضطرابات؛ إذ يشهد العالم الغني تصاعداً في النزعات الشعبوية، وتراجعاً في مستويات الديمقراطية. وهذا الانطباع الشخصي تؤكده الإحصاءات أيضاً؛ فبحسب منظمة «فريدوم هاوس»، انخفض متوسط مؤشرات الحرية والديمقراطية حول العالم للعام السابع عشر على التوالي. كما تتصاعد التوترات الاجتماعية في عدة دول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي شهدت موجات احتجاجات قادتها حركة «حياة السود مهمة» بعد حوادث متكررة من عنف الشرطة ضد المواطنين السود».
ويشير إلى أن جائحة كوفيد-19 قد فاقمت أشكالاً متعددة من العنف الاجتماعي والسياسي. وكما يناقشه في هذا الكتاب، فإن الفقر وغياب رأس المال البشري يُعدّان من أبرز الجذور المغذية لخطر النزاع والعنف. فالجائحة أدّت إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة والفقر، خصوصاً لدى الفئات الأشد هشاشة، التي تعمل في القطاع غير الرسمي ولا تملك تغطية تأمينية كافية. كما تعرّضت إمكانية الوصول إلى التعليم لضغط شديد، سواء لأسباب صحية أو بنيوية، وهو ما قد يُشكّل أرضاً خصبة لموجات عنف جديدة مستقبلاً. علاوة على ذلك، وفّرت ضرورة مكافحة الفيروس ذريعة قوية للشعبويين والحكّام المستبدين لتقييد حرية التجمّع والتعبير، وتعزيز المراقبة والتضييق على الحريات. وأخيراً، تُسهم الجائحة في تقليص التجارة الدولية والعلاقات الاقتصادية، ما يؤدي إلى تراجع الترابط بين الدول، وبالتالي تقليل كلفة الحروب الدولية، وهو ما قد يجعلها أكثر احتمالاً. لكن، هل تؤثر هذه الأحداث فينا فعلاً، أم أنها مجرّد فاصل كئيب نشاهده في نشرات الأخبار قبل الانتقال إلى مسلسل نيتفلكس أو فيلم مريح؟ الحقيقة أننا جميعاً معنيون. فلا أحد يعيش في عزلة، والعنف كالفيروس لا يتوقف عند حدود الدول. فالخراب لا يسافر فقط عبر المكان، بل أيضاً عبر الزمن، إذ إن حروب اليوم تزرع بذور فقر الغد.
ويرى أن الخلافات المجتمعية غالباً ما تتضاعف عبر سلسلة من الدورات المفرغة من العنف. وإذا أضفنا إلى ذلك التغير المناخي، والأوبئة، والتحوّلات الاقتصادية الكبرى، والانتقالات الديموغرافية، نكون أمام مزيج متفجّر يهدّد الاستقرار العالمي ورفاه المجتمعات. ويقول: «وعليه، فقد حان الوقت للإمساك بزمام الأمور واتخاذ خطوات حاسمة لضمان مستقبل مزدهر وسلمي للأجيال القادمة».


بنية الكتاب


يفتتح الكتاب في الجزء الأول:«لا نهاية للعالم! لماذا يجب أن نهتم؟» بمقدمة تحت عنوان «المثالية الذكية ومعادلة السلام»، يُحدّد فيها رونر الإطار النظري لمشروعه، موضحاً أن السعي إلى السلام لا يتناقض مع الواقعية السياسية إذا استند إلى فهم دقيق للدوافع والفرص. في الفصل الثاني، «فقدان الأرواح، سبل العيش، والحب»، يوضح أن الحروب ليست فقط كارثة إنسانية بل «مشروع خاسر» اقتصادياً واجتماعياً. أما الفصل الثالث، «دوامات العنف: لماذا تهدد حروب اليوم مستقبلنا»، فيعرض لتأثير الحروب المعاصرة في الاستقرار العالمي، من تغير المناخ إلى الهجرة والفقر المدقع.
وفي الجزء الثاني: «منطق الشر – لماذا تندلع الحروب؟»، ينتقل المؤلف في هذا الجزء إلى تفكيك الجذور المادية والهيكلية للنزاعات. في الفصل الرابع، «الفقر، السكان، والبترول»، يسلّط الضوء على تفاعل الندرة والضغط الديموغرافي والموارد الطبيعية في إذكاء الحروب. أما في الفصل الخامس، «القاتل في غرفة الاجتماعات»، فيتناول الأدوار الخفية للنخب السياسية والاقتصادية في تمويل العنف وتوجيهه لأهداف خاصة، مشيراً إلى أن الحروب قد تبدأ من المصالح لا من الميادين.
وفي «الجزء الثالث: أَعطِ السلام فرصة! إصلاح الحوافز»، يطرح رونر في هذا القسم معادلته الأساسية لبناء السلام المستدام. يبدأ ذلك في الفصل السادس،«القوة للشعوب: الديمقراطية الشاملة وتقاسم السلطة»، حيث يُبرز أهمية المشاركة السياسية الواسعة في كبح النزاعات. في الفصل السابع، «قدرة الدولة على الاستقرار»، يؤكد أن السلام لا يُبنى بدون مؤسسات فعّالة. ويواصل في الفصل الثامن، «الرخاء يصنع السلام»، عبر ربط بين السياسات الاجتماعية (مثل التعليم والصحة والعمل) وبين تقليص دوافع العنف. أما الفصل التاسع،«الغفران لا القتال»، فيدعو إلى إدماج مسارات العدالة والمصالحة ضمن أي اتفاق سلام. ويختم الجزء بفصلين يُعززان فكرة المسؤولية الجماعية: الفصل العاشر«دورنا جميعاً؟ المثالية الذكية والرأي العام العالمي»، والفصل الحادي عشر«التنسيق العالمي للحد من النزاع»، حيث يؤكد أن السلام مسؤولية جماعية تتطلب تعاوناً عالمياً يتجاوز الحكومات.
وفي الجزء الرابع «فن السلام – رسائل ختامية»، يعيد رونر في الفصل الثاني عشر صياغة النقاط المحورية في عمله، موجهاً «رسائل محلية» واضحة لصانعي السياسات والباحثين والفاعلين في المجتمع المدني، تدعو إلى الانتقال من منطق القوة إلى منطق الشراكة، ومن ردع العنف إلى إزالة أسبابه من الجذور. بهذا البناء المتدرج، يدعونا المؤلف لإعادة هندسة أدواتنا في التعامل مع العنف، عبر إعادة الاعتبار للإنسان، كفاعل لا كضحية، وكشريك لا كعدو.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق