شجرة أبناء نجد في طهران - بلد نيوز

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شجرة أبناء نجد في طهران - بلد نيوز, اليوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 11:53 مساءً

السياسة لا تقبل العواطف، لا ترضى بالمشاعر. لغة المصلحة هي المسيطرة. والتاريخ ملعون، لا يرحم ولا يجامل، ولا يحابي ملكا أو إمبراطورا، أو أميرا أو غفيرا، ولا حتى رئيسا. صفحاته مفتوحة. الخيار في يد الإنسان، إما الدخول للبيضاء، أو لا مجال إلا السوداء.

السعوديون يعون ذلك. يعرف السياسي السعودي طريقه ومستقره الأخير. لا مجال للفرار من التواجد في الصفحات البيضاء. تلك سياسة رسم معالمها وحددها الملك المؤسس، يجب على الجميع الالتزام بها. إنه مفهوم غير قابل لا للتساوم، ولا للبيع، ولا للنقاش.

والجماهير تقاد بأمرين؛ إما بالصوت العالي أو بالتمرير. فسر الكثير - لا أؤيد - قول التقارب، بل رصانة السياسة السعودية، التي جسد آخر صورها وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان في زيارته لطهران الأيام القليلة الماضية، أنه نابع من موضع ضعف سعودي، وهذا غير صحيح، ويحتاج لتصحيح مفاهيم عميق.

نعم يجب استشعار أن إيران، كما يتضح، أنها أعادت حساباتها في كثير من سياستها الخارجية. ونعم يجب الاعتراف بأن العلاقات السعودية - الإيرانية، بلغت مبلغا خلال السنوات الفائتة يمكن وصفه بالخطير، وصل لقطع العلاقات. وشن حملات إعلامية بين الدولتين. هذا لا يمكن إنكاره، لكن السياسة غير ثابتة.

إنما مع الوقت طرأت ظروف سياسية فرضت نفسها. لذا لم تتوانَ الرياض عن مد اليد لطهران على الأقل لإخراجها من عزلتها العالمية. لماذا؟ لأنها تسير وفق خطوط استراتيجية بعيدة المدى، تراعي الاستقرار الذي يجب أن تعيشه منطقة ملتهبة.

ما الأهم من ذلك؟ في السياسة السعودية مفهوم الفجور في الخصومة مرفوض، لذلك رأت المملكة أن الوضع بحاجة إلى تهدئه يجب أن تفرض على المنطقة، لا تسخين الواقع بخلق مزيد من الخصومات والفرقة.

وعلى هذا الأساس يمكن تفسير زيارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، بأنها إعادة تموضع في المشهد السائد، والصورة العامة، المحيطة بالعلاقة بين الرياض وطهران. كيف؟ ما كان سابقا يدور في الغرف المغلقة تفرضه الدبلوماسية، بات في العلن. والاتفاق المبرم بين البلدين في العاصمة الصينية بكين، كان شكلا من أشكال ما يدور في الخفاء. وقد حان الوقت لأن يكون كل شيء على المكشوف.

ومن جانب آخر؛ يكشف التقارب السعودي الإيراني عن فكرة حسن النوايا، التي طالما مارستها السعودية في العلاقة مع المحيط القريب والبعيد.

لكن الغوص في العمق يبرز بعض الأدوار السعودية التي يفكر بها صانع القرار ويجدها واجبا سياسيا وأخلاقيا تجاه دول المنطقة. مثل ماذا؟ أولا: للمملكة وزن عالمي يمكن أن تستغله، لينعكس على الإقليم المضطرب. وما لقاء المتخاصمين الكبار في الرياض وجدة - أعني الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية - إلا دليل على حجم الثقة التي تحظى بها المملكة في العالم بأسره. وهذا بالمناسبة حق مكتسب ليس منة من أحد.

ثانيا: إدراك الجميع بأن الرياض يمكن أن تلعب دورا مهما في صناعة الاستقرار، الذي سينعكس بنهاية المطاف على تشكيل مفهوم الأمن العالمي. وهذا ليس إسرافا في الثناء على الرياض، لأنها أكبر من الإطراء، باعتبارها تملك في جعبتها، تجارب مقنعة، بأنها عنصر يمكنه صناعة التقارب والحياة.
ثالثا: وهذا يجب أن يفهمه بعض «العربان»، ممن صوروا على مدى عقود، أن السعودية خاضعة للسياسات الأجنبية، لا سيما الأمريكية، وهذا تزييف للتاريخ مبني على الأحقاد.

فالمنطق يقول إنها لو كانت كما يسوق له أولئك الأغبياء الملقنون، لما وصلت لتفاهم وحلول مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي العدو المعلن لأمريكا. ولما فتحت معها مجالا للحوار معها في بكين. ولم تعد العلاقات بين العاصمتين. ولم يزرها رجل بأهمية وزير دفاعها، الذي نقل رسالة من خادم الحرمين الشريفين - أمد الله في عمره - للمرشد الإيراني؛ الرقم الأول في صناعة القرار السياسي في إيران.

رابعا: توقيت تلك الزيارة يأتي فيما تتحاور الولايات المتحدة الأمريكية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهذا يعطي تأكيدات على ثقة الجميع، بأن تلعب المملكة دورا هاما لتقريب وجهات النظر بينهما - في حال الحاجة لها -. فالإيمان المطلق في واشنطن وطهران بالحكمة السعودية، موجود ولا يشوبه أي شائب. وأعود للقول إنه حق مكتسب وليس فضلا من أحد.

فالدور السعودي في المنطقة والإقليم والعالم قائم على فكرتين؛ الأولى: حسن النوايا. والثانية: تصفير المشاكل، ومد يد العون للجميع، ويندرج في إطار الحنكة السياسية التي يسير عليها صانع القرار السعودي، ويقتنع بها العالم.

إن الأفكار التي تغذى بها السعوديون في السياسة والأخلاق، أفكار موروثة منذ عهد الجد المؤسس، ولا يزال الملك وولي عهده والمجتمع السعودي بأسره يراعيها، تعد نبراسا يرسم الصورة السعودية الرصينة والخالصة، دون تزلف أو تزييف أو مجاملة لأحد أيا كانت أهميته وثقله.

لذا حط حفيد المؤسس رحاله في طهران. إنها زيارة في ظاهرها سياسية. لكنها تعني الكثير في الثنايا والمضمون.

امتثل الضابط الطيار المقاتل، الذي خلع بزته العسكرية، لأمر الملك، والده ووالد الجميع، وأخيه حبيب الشعب.

ارتدى مشلحا سعوديا كرجل دولة. وقبل ذلك ابن لنجد العظيمة.. غرس شجرة سلام سعودية.. في طهران. وعاد.

أخبار ذات صلة

0 تعليق