نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التاءات الثلاثة! - بلد نيوز, اليوم الاثنين 5 مايو 2025 06:42 صباحاً
في البيئات الإدارية المريضة، وكالعادة وفي استراحة شلة النافذين من الموظفين في تلك الإدارة، تعقد صفقة مع مدير جديد، يعشق الأضواء، يزكى من المنتفعين، كونهم رأوا فيه درجة كافية من التلون واللؤم، تسهمان في الدفع بمركب الإدارة نحو أهدافهم الشخصية الصرفة. يُعقد لهذا المدير اجتماع وتحدد أولوياته، وغالبا ما تكون استهداف شخص بعينه أو مجموعة، إما تجميدا وتهميشا، أو جعله وجعلهم يعيشون حالة من عدم الاستقرار مع الواقع الذي يعملون فيه، تؤخذ المواثيق على هذا المدير بأن يبيض وجه من رشحه ويكون عند حسن ظن إدارته العامة ومديرها العائم فوق المشاكل.
يبدأ هذا المدير مهامه الجديدة، وفي أول يوم يجلس فيه على كرسيه الوثير، تبدأ رحلته ومعاناته مع التاءات الثلاثة!
التاء الأولى هي (التاء التعسفية)، فيبدأ عهده الإداري بقرارات تعسفية جريئة وغير مسبوقة، ليشعر الجميع بأنه الحجاج بن يوسف في سطوته وجبروته، فكل من يعارضه ولو سكوتا أو بنية مضمرة بعد حتى، يكون مصيره التهميش والإبعاد، فيصبح الجميع خائفا يترقب الجديد من العواصف التعسفية التي تصيب كل من لا يحسن التصرف والتدبر والتدبير.
تستمر هذه المرحلة التعسفية حتى يثخن هذا المدير في جسد إدارته، ويتأكد أنه قد أدماها قبل أن يدمي قلوب المستضعفين من الموظفين، الذين لا حول لهم ولا قوة أمام جبروت هذا المدير الجديد، المعتق باللؤم المديد وثقة شلته المنتفعين.
يصحو هذا المدير من مرحلته تلك، ويشعر أنه قد تخطى مرحلة الضرب بيد من حديد، وأن الواقع يفرض عليه تقريب فريق من اللؤماء الجاهزين للبيع والشراء، وهنا يبدأ في تكوين خلية أزمة دائمة في إدارته، يغدق عليها بخارج الدوام والانتدابات، لتكون دائرته الأولى للحفاظ على كرسيه في الإدارة، هذه المرحلة الثانية هي مرحلة (تاء التوازنات)، وفيها يحاول أن يوازن ويدوزن حضوره الهش في هذه الإدارة، من خلال الترغيب والترهيب، فمرة يقرب أشخاصا بعينهم ويدنيهم أكثر كلما زاد تدنيهم الوظيفي حضورا وإنتاجية، ومرة يبعدهم عند اللزوم وما يقتضيه واقع الحال من أزمات ولزمات، هذه المرحلة من التوازنات تعد مرحلة مرهقة لهذا المدير، فهو هنا كمن يحاول وزن معادلة كيميائية لتصبح متزنة في وسط يسمح لها بالفعل والتفاعل الدائمين، لكنه لا يستطيع، وهنا تكمن المشكلة أن المعادلة مكتوبة والتفاعل لم ولن يتم!
هذه المرحلة لا تستمر طويلا لأن الأخطاء الكارثية للإدارة تظهر على السطح ومؤشرات الأداء تتدنى، والمساءلات من الجهات ذات العلاقة تزيد، وتتساءل عن أسباب تدني إنتاجية هذه الإدارة وما أسباب تعثرها، وهنا يوجه إلى المدير اللئيم الإنذار تلو الإنذار، كلها تصب في خانة تحسين أداء مرفقه والعودة به إلى المستوى الذي يجعله في مأمن من أي مساءلات إدارية تستوضح أسباب هذا الانهيار في مؤشرات الأداء، وفي قدرة هذا المدير على الإنتاج والإنجاز، وهنا تحضر التاء الثالثة وهي (تاء التنازلات)، فيصبح هذا المدير الغر أمام مطرقة سوء الأداء من جهة وسندان كارهيه والمتربصين به في إدارته، وهنا تلوح في أفقة المظلم مسألة التنازلات طمعا في إطالة عمره الإداري كمدير، فيغض الطرف عن حضور بعض الموظفين، ويتناسى الاهتمام بالتوقيع، ويبدأ في مجالسة الموظفين الصغار والسؤال عنهم طمعا في تجنب غضبهم وحقدهم عليه.
كل ذلك يمر سريعا عليه، ويشعر الموظفون بانعدام حيلته وعدم قدرته على ضبط الأمور، فيبدأ بعضهم في مهاجمة سياساته علنا داخل الإدارة وخارجها، مستفيدين ومستشهدين بالفوضى الخلاقة التي صنعها في إدارته، والبعض الآخر يذهبون وحدانا وزرافات إلى أولئك النافذين في تلك الإدارة ليشرحوا لهم عوار سياسة هذا المدير وعدم قدرته على ضبط الأمور، وأن الحل يكمن في استبداله بشخص آخر يكون أكثر كفاءة وجدارة منه.
وكالعادة إما أن يستقيل هذا المدير أو أن يُستفال من مهامه بعد أن استهلك وهلك وأهلك، وفشل في تجربته وفاحت رائحته، ودمر ما كان يفترض أن يحسّنه ويبنيه، وهنا تعود الأمور إلى مربعها الأول، يُبحث فيها عن مدير جديد، بالمواصفات السابقة نفسها، ولكن بإصدارات شكلية جديدة تصلح أن يقال عنها تجديد وتحديث وترميم!
وتتكرر المأساة ومن الاستراحة نفسها يولد مشروع مدير فاشل جديد، برعاية الأسباب السابقة، والظروف المعتادة التي يصنع فيها مدير غير جدير بالمواصفات السابقة نفسها؛ جاهل ولئيم والضحية إدارة وإنسان ومجتمع.
alaseery2@
0 تعليق