القتل بـ50 طعنة.. قربان جديد للكراهية في أوروبا - بلد نيوز

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القتل بـ50 طعنة.. قربان جديد للكراهية في أوروبا - بلد نيوز, اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 03:18 صباحاً

لا تزال العنصرية المقيتة تجوب المجتمعات الأوروبية، وتزرع الكراهية في عقول أبناء العرق الأبيض كما يسمون أنفسهم، حتى تشبعت قناعات الكثير منهم بأنهم الأعلى عرقا بين الأمم، ما جعل بعض المختلين عقليا يستبيحون دماء الأبرياء، ويستمرون في طعن خاصرة الإنسانية بلا رحمة.

قبل أسبوع أودت الكراهية بحياة شاب مسلم يتعبد ربه داخل مسجد في قرية صغيرة بمنطقة جارد الفرنسية، على يد قاتل ليس له أي دوافع سياسية، بل كان دافعه حقيقة مؤلمة هي أنه لم يعد يرى المسلم إنسانا، ما جعله يقدم على طعن شاب مسلم يدعى أبو بكر، ومن ثم تصويره وهو يحتضر، ويصرخ أثناء التصوير بكلمات تنضح بالسادية، ويصعب فصلها عن خلفيات أيديولوجية مشبعة بالكراهية، التي روجت لها وسائل الإعلام المتطرفة، وصفحات اليمين المتشدد، وتيارات تعادي الوجود الإسلامي في أوروبا تحت عباءة الحفاظ على الهوية القومية.

في هذه الحادثة، التي يمكن وصفها بالوحشية المغلفة بالعنصرية، شكلت خمسون طعنة، خمسين إعلان كراهية موجهة إلى قلب رجل لم يحمل سكينا، بل مكنسة، اعتاد أن ينظف بها بيت الله كل أسبوع، حبا وخدمة وتطوعا، فالضحية أبو بكر الذي يبلغ من العمر 24 عاما، لم يكن سياسيا ولا ناشطا، بل كان شابا مهاجرا من مالي، هادئا، بسيطا، محبوبا في مجتمعه الصغير.

أبو بكر كان معروفا بابتسامته وخدمته للمسجد والمصلين، ينظف المكان كل أسبوع استعدادا لصلاة الجمعة، وكأنه يرى في خدمة المسجد شكلا من أشكال العرفان للبلد الذي احتضنه، أو ظن أنه احتضنه، ومع ذلك، لم يشفع له انتماؤه الإنساني، ولا إيمانه، ولا جهده التطوعي، أمام طاعن جاء ليقول له «وجودك هنا غير مرغوب فيه، لأنك مسلم».

إن هذا النوع من الحقد لا يولد من فراغ، بل إنه نتيجة تراكم خطابات، وتضخيم أحداث، وصناعة سردية شيطانية للمسلمين كتهديد وجودي، تبدأ في وسائل التواصل الاجتماعي وعدد من البرامج الحوارية التي تبثها قنوات أوروبية متطرفة، وتنتهي في أيدي قتلة يرون في طعن مؤمن ساجد بطولة.

وليست حادثة أبو بكر هي الأولى، ففي عام 2017، قتلت الكراهية محمد أبو زيد وهو إمام مسجد في هايماركت ببريطانيا، في حادثة دهس عنصري نفذها دارين أوزبورن بسيارته، بعد أن تأثر بدعاية إعلامية ضد المسلمين، وفي 2019، هاجم فيليب لوفري، وهو فرنسي، مسجدا في جنوب فرنسا، مطلقا النار على المصلين، مما أسفر عن إصابة شخصين، أصيب أحدهما في رأسه.

وفي عام 2020 نفّذ متطرف يدعى توبياس راتغن مجزرة عنصرية في مدينة هاناو بألمانيا، قتل فيها 9 أشخاص، معظمهم من أصول مسلمة، في مقهى، وذلك فقط لأنهم ليسوا من العرق الألماني، وقبل ذلك اقتحم ألكسندر بيسونيت في يناير 2017م، مسجدا في كيبيك بكندا، وأطلق النار على المصلين أثناء صلاة العشاء، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وجرح 19 آخرين.

كل هذه الحوادث وقعت في سياق اجتماعي وإعلامي واحد هو تعميم الإسلاموفوبيا، ووصف وجود المسلمين لا باعتباره إضافة مجتمعية، بل كابوسا ديموغرافيا، وأحيانا احتلالا ناعما كما يدعي بعض كتاب اليمين المتطرف.

مقابل ذلك، اعتادت الحكومات الغربية على الشجب الروتيني أو وصف الجاني بأنه مختل أو ذئب منفرد، وهو ما يعكس تعميق الجرح بدلا من معالجته، فمن المعروف أن القاتل لا يولد وهو يسب الله، ولا يتعلم طعن المصلين في مدرسة طبخ، إنما يتربى على ذلك في بيئة إعلامية سامة، ويحفزه على تلك الأفعال المشينة خطابات رسمية تشكك في نوايا المسلمين، وتبالغ في ربطهم بالإرهاب، وتجعل من الهوية الإسلامية قضية أمنية، لا ثقافية.

إن الرد على مثل هذه الحوادث البشعة الممتلئة بعفن الكراهية ورائحة الدم، لا يجب أن يكون على مستوى القضاء فقط، بل على مستويات أخرى يعلب فيها الوعي والإعلام دورا محوريا، ويدعم ذلك محاسبة المنصات والبرامج التي تعيد تدوير الكراهية تحت اسم الرأي الآخر، فلا يمكن لدولة مثل فرنسا أو أي دولة أوروبية تزعم الدفاع عن الحرية أن تقف صامتة أمام إعلام يحرض على مواطنيها المسلمين، أو تتساهل مع حركات متطرفة تلوح بالكراهية جهارا.

وأخيرا، لا ينبغي أن تكون العدالة هذه المرة إجراء روتينيا قانونيا، بل لا بد أن تكون رسالة سياسية وأخلاقية بأن الكراهية مرفوضة، وأن ازدراء الأديان ليس حرية تعبير، وأن العنصرية ليست نقاشا ثقافيا يؤخذ ببعضها ويرد بعضها الآخر، بل إنها خطيئة تستوجب الحساب والعقاب، مع إقرار قوانين تجرم التحريض ضد المسلمين تحديدا.

أخبار ذات صلة

0 تعليق