كشف التقرير الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الليلة الماضية، عن لمحة أخرى عن ماوراء الكواليس لدراما الحرب التي خططت لها تل أبيب، والتي أدت إلى زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السريعة إلى واشنطن.
ويبدو أن نتنياهو كان يأمل في إقناع ترامب بالموافقة على خطة العمل الإسرائيلية في إيران، والتي تضمنت غارة جوية مطولة لمدة أسبوع على الأقل، لكنه بدلا من ذلك اضطر إلى الجلوس بجانب الرئيس الأميركي عندما أعلن عن فتح المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز على الأقل، لم تنجح جهود نتنياهو في اقناع ترامب، ولن تتعرض المنشآت النووية الإيرانية للهجوم في شهر مايو القادم.
لكن تجدر الإشارة إلى أن ترامب نفسه لم يستبعد شن هجوم على إيران إذا لم تسفر المحادثات عن نتائج؛ كما حشدت واشنطن قوات كبيرة في المنطقة، بما في ذلك في جزيرة دييغو غارسيا في قلب المحيط الهندي.
وفي مواجهة هذا التهديد، ورغم أن كل من الولايات المتحدة وإيران تقولان إن المحادثات تتقدم “بشكل إيجابي”، حيث تحدث المبعوث ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع بعضهما البعض بشكل مباشر.
وأعلنت طهران أن تهديدات إدارة ترامب بالهجوم لن تنجح، وأنها لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم إلى مستويات معينة، كما وجهت تهديدات للولايات المتحدة وإسرائيل، مؤكدة أنها سترد بقوة في حال تعرضها لهجوم، كما هددت بضرب القاذفات على قاعدة دييغو غارسيا.
زيارة وزير الدفاع السعودي
كما وصل وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، اليوم، إلى طهران لعقد لقاءات قبل استئناف المفاوضات السبت، ويرى الخبراء أن هذه زيارة استثنائية بكل المقاييس، حيث أنها مؤشر على أن السعوديين يخشون بشدة أي هجوم أو تصعيد أو تدهور في الخليج، مما سيضر في نهاية المطاف بمصالحهم الأمنية ولن يخدم مصالحهم في الوقت الراهن.
تريد المملكة العربية السعودية حلاً سلميًا للقضية النووية الإيرانية، بالطبع، هم قلقون للغاية بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكنهم يفضلون اتفاقًا نوويًا يُبقي إيران بعيدة عن امتلاك القنبلة النووية ويمنع الحرب أيضًا".
ولكن الهجومين الإسرائيليين الأخيرين على إيران، وكلاهما سبقه هجوم إيراني واسع النطاق لم يسفر عن نتائج كبيرة، دفعا إسرائيل إلى الاعتقاد بأن هناك الآن فرصة تاريخية لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر لضرب المنشآت النووية. لقد أصبحت الدفاعات الجوية الإيرانية ضعيفة، وقد تعرضت قدرتها على إنتاج الصواريخ للخطر، وحتى لو نفذت هجوما أوسع نطاقا من الهجمات السابقة، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى خسائر وإصابات، فإن النظام في الواقع ضعيف للغاية.
أهم المواقع التي قد تهاجمها إسرائيل
ويتحدث نتنياهو عن تفكيك البرنامج النووي الإيراني على غرار "النموذج الليبي"، إلى جانب فرض شروط وقيود على برامج الصواريخ الإيرانية ــ وهو الأمر الذي تبدو فرص الموافقة عليه الآن ضئيلة. وإذا لم تنجح المحادثات، فإن هناك ما لا يقل عن عشرة مواقع نووية تحت مرمى نيران إسرائيل والولايات المتحدة، وأهمها نطنز، وفوردو، وأصفهان.
نطنز
يقع في منطقة جبلية تبعد نحو 300 كيلومتر جنوب العاصمة طهران، وهو منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران، ويعتبر قلب برنامجها النووي الذي هاجمته إسرائيل عدة مرات بالفعل، إن قدرة إسرائيل على مهاجمتها دفعت إيران إلى بناء منشأة جديدة عميقة تحت الأرض، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول القدرة على اختراقها، حتى باستخدام أقوى "مدمر للتحصينات" في ترسانة الجيش الأميركي .
فوردو
تعتبر ثاني منشأة لتخصيب اليورانيوم في إيران، وتقع بالقرب من مدينة قم وعلى بعد حوالي 160 كيلومترا جنوب طهران. وعلى النقيض من نطنز، تم بناء هذه المنشأة مسبقًا لتكون محصنة قدر الإمكان من الضربات الجوية - وتم حفرها في سفح الجبل على عمق يتراوح بين 80 إلى 90 مترًا. بدأ بناء هذا المرفق حوالي عام 2006، وفي عام 2009 كشفت إيران عن وجوده للعالم ــ فقط بعد أن علمت وكالات الاستخبارات الغربية بوجوده. وفور الكشف عن ذلك، أعلن الرئيس باراك أوباما أن حجم وشكل المنشأة "لا يتوافقان مع برنامج نووي سلمي".
ولضرب المواقع النووية في نطنز وفوردو، يتعين على الولايات المتحدة استخدام قنابل قادرة على اختراق المخابئ يصل وزنها إلى 14 ألف كيلوغرام. فقط قاذفات B-2 لديها القدرة على إطلاقها. إسرائيل لا تمتلك هذه القنابل.
أصفهان
وبالإضافة إلى ذلك، يوجد في ضواحي أصفهان ، ثالث أكبر مدينة في إيران، مركز نووي كبير يضم، من بين أمور أخرى، منشأة لمعالجة اليورانيوم في مرحلته الخام، المعروفة باسم "الكعكة الصفراء"، في عملية يتم فيها تحويله إلى مركب يمكن تغذيته على شكل غاز إلى أجهزة الطرد المركزي للتخصيب. وتشير تقديرات المصادر الدبلوماسية إلى أن أصفهان تمتلك أيضاً منشأة لتخزين اليورانيوم المخصب. وفي عام 2022، تم الإعلان عن وجود "موقع جديد" في المدينة يضم منشأة لتصنيع أجهزة الطرد المركزي.
وبالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن البرنامج النووي الإيراني ينتشر عبر العديد من المنشآت، ومن المرجح أن يضطر الهجوم العسكري إلى ضرب معظم أو كل هذه المواقع. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض معداتها الحيوية، مثل أجزاء أجهزة الطرد المركزي.
لماذا يعارض ترامب؟
ويقدر خبراء نوويون وعسكريون تحدثوا إلى رويترز مؤخرا أن أي عمل عسكري كبير بالتعاون مع إسرائيل لن يقضي على البرنامج النووي الإيراني، لكنه لن يؤدي إلا إلى تأخيره على الطريق إلى صنع القنبلة.
وحذر الخبراء من أن الهجوم العسكري لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع: فوفقا لهم، يمكن لإيران بعد الهجوم أن تطرد المفتشين النوويين التابعين للأمم المتحدة، وتحول برنامجها النووي بالكامل إلى تحت الأرض، وتقدمه بسرعة بحيث لن يكون من الممكن مهاجمته مرة أخرى دون المخاطرة بحرب نووية، حتى أن علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، قال الأسبوع الماضي إن استمرار التهديدات ضد إيران والهجوم العسكري ضدها قد يؤدي إلى اتخاذ تدابير ردع ، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون مع الوكالة.
وفي نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب للغاية أن نرى كيف يمكن للضربات العسكرية أن تدمر الطريق الذي تسلكه إيران نحو الحصول على الأسلحة النووية، كما يقول جوستين برونك من معهد خدمات الأمن الملكية في بريطانيا.
وبحسب قوله فإن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية من شأنه في المقام الأول أن "يعمل بمثابة رادع، ويتطلب ثمناً اقتصادياً باهظاً، ويعيد "زمن الاختراق" (الوقت الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة) إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".
ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل لن تكون قادرة على تدمير معظم المواقع الإيرانية بنفسها، لأن مثل هذه العملية ستكون خطيرة وستتضمن سلسلة من الهجمات، حيث سيتعين على إسرائيل التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات تلقتها إيران من روسيا.
0 تعليق